1 قراءة دقيقة
الأسباب والدوافع الرئيسة وراء الهجرة العربية الى السودان ثم الى دارفور

الأسباب والدوافع الرئيسة وراء الهجرة العربية الى السودان ثم الى دارفور

 إن الهجرات القبلية الى مختلف بقاء الأرض قديمة قدم التاريخ , ولأسباب عدة , حيث يؤكد الدكتور رجب محمود عبدالحليم , فى كتابه : (العروبة والإسلام فى دارفور فى العصور الوسطى ) , أن هجرات العرب الى دارفور , تعود الى زمن متقدم , وليس كما يظن البعض , أنها تعود الى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين , حينما قامت سلطنة دارفور الإسلامية كنتيجة مباشرة لإحدى هذه الهجرات كما زعموا.
 وذلك أن بعض العرب , قد هاجروا الى هذا الإقليم قبل القرن العاشر للميلاد , وإزدادت هذه الهجرات إزدياداًكبيراً , بعد القرن الثانى عشر للميلاد . بل وأضحت سيلاً جارفاً فى القرن الرابع عشر , وعقب سقوط ( مملكة المقرة النوبية المسيحية ) عام 1323م . وقد وفدت هذه الهجرات على هذا الإقليم , لأسباب وعوامل متعددة , ومن بلدان عديدة , وعبر مسالك وطرق مختلفة .
 فبعضها أى العوامل , تتصل بالضغوط السياسية , والأخرى بعوامل البيئة الطبيعية الخاص بهذا الإقليم , ثالثة تتصل بموقع الإقليم , ورابعة تتعلق بالنشاط التجارى .

 العوامل السياسية

 لعل أول هذه العوامل , هو ما يتصل بسوء العلاقة بين العرب والمهاجرين الى مصر وبين حكامها ,
 وقد نشأ سوء العلاقة هذه _كما هو معروف _منذ أن أمر الخليفة العباشى المعتصم بالله , واليه على مصر بإسقاط اسماء العرب من الديوان , وقطع العطاء و الرواتب والأرزاق عنهم عام 832م .
 فقد ثار العرب فى مصر , وانتهى الأمر بهزيمتهم . وعندما كثرت عليهم
 ص(11)
 الضغوط السياسية والإجتماعية والإقتصادية , بدأت جماعات عربية عديدة , كما يؤكد ذلك (المقريزي) فة كتاله (إمتاع الأسماع) , تسعى للرحيل زالهجرة . ولم يكن أمامهم سوى الإنسحاب جنوباً وغرباً , بعيداً عن ضغوط الأتراك الذين حكموا مصر بعد ذلك , وإستبدادهم بها . وحانت الفرصة عندما أعلن (أحمد بن طولون), الذى أسس الدولة الطولونية التركية , فى مصر عام 868م , عن إعداد حملة حربية الى بلاد النوبة و وأرض البيجة بقيادة أبى عبدالله بن عبدالحميد العميرى , لتأديب ملوك تلك البلاد , لإعتدائهم على صعيد مصر , وإشتراك فيها كثير من العرب , الأمر الذى مكنهم من الوصول الى بلاد النوبة . مما تقدم يمكن أن نقول أن وجود العرب فى بلاد النوبة والسودان , سوف يقودنا الى نتيجتين :
 الأولى _ هى التمهيد إلى إنهيار مملكة (المقرة النوبية المسيحية ).
 الثانية _هى نزوح بعض هؤلاء العرب الذين إستقروا فى بلاد النوبة , الى دار فور وإستقرارهم فيها . ذلك , لأن بلاد النوبة , بعد أن غلب عليها العرب المهاجرون صارت إحدى المواطن الأساسية , التى إنطلقت منها الهجرات العربية الى شرق وغرب السودان , عن طريق كردفان ثم الى دارفور فى النهاية .
 وفى عهد السلطان الظاهر بيبرس (عام 1275م) , قام بإرسال حملة , غزت مملكة المقرة فى بلاد النوبة , بعد إعتداء ملكها على جنوب مصر , وأخضعت هذه الحملة النوبيين , وعينت عليهم ملكاً , بعد أن فرّ ملكها المتمرد , وأبرمت مع الملك الجديد معاهدة نصت على تبعية مملكة المقرة للسلطنة المملوكية , وجعلت للسلطان المملوكي حق تعيين وعزل ملوك المقرة , كما نصت على شرط أخر , تعهد بتنفيذه ملك المقرة المدعو (شكندة ) , للسلطان بيبرس , وذلك بطرد (العربان ) من بلاد الكانم والبرنو , مما أفزع ذلك سلطانها , فشكاهم الى سلطان المماليك فى مصر _
 ص(12)
 الظاهر برقوق.
 ويظهر , أن هذه الجماعات قد تدفقت عام 1391م , كما يقول الدكتور رجب محمود عبدالحليم , حتى بلغت شمال دارفور , وذهب بعضهم الى هضاب جبل مرة , وجبل سى , وهى هضاب عظيمة وكثيفة السكان . ورحل بعضهم غرباً , حيث إشتركوا فى حرب أهلية مع مملكة كانم, فى حوض بحيرة تشاد . وأغلب الظن أن أسلاف قبيلة الميما , كانوا قسماً من هذه القبائل العربية المهاجرة الى هنالك . ولم تكن هجرة العرب الى دارفور -على هذا النحو_ومنذ تلك القرون البعيدة , وليدة العوامل والظروف السياسية , التى تحدثنا عنها فقط , وإنما كانت أيضا نتيجة عوامل أخرى خاصة بالبيئة الطبيعية .

 الأسباب البيئية والطبيعية

 إذا كانت دارفور تقع فى الجزاء الغربى من الحزم العرضى الأوسط للسودان , فقد كانت طبيعة هذا الإقليم ,تناسب العرب أكثر من طبيعة بلاد النوبة . ومعروف أن بلاد النوبة , هى اقرب بلاد السودان الى مصر . وكانت أولى المناطق السودانية التى هاجر إليها العرب جنوباً , ولكن طبيعة المنطقة القاحلة لم تناسب العرب البدو .
 وكذلك كان الحال فى مصر , إذ أنها لم تكن قطراً مثالياً للبدو العرب , فأمطارها شحيحة , لا تساعد على وجود المراعى اللازمة لإبلهم وماشيتهم وخيلهم . حقيقة توجد الأؤاضى الخصبة , التى تُروى بمياه النيل وتقوم عليها الزراعة .ولكن العؤب مع ذلك , لا يمكنهم التكيف مع هذا العمل الذى لم يتعودوا عليه فى بلادهم ,وهو الزراعة . أما السودان , وباستثناء الأقليم الجنوبية ,فأنه أكثر ملاءمة لهم , لأنه مشابه للجزيرة العربية فى ظروفها الطبيعية . و إذا كان الحزام الأوسط من السودان مناسباً وملائماً لسكنى العرب , أكثر من غيره , فإن دارفور التى تقع فى الجزء الغربي
 ص(13)
 من هذا الحزام , كانت أكثر أجزاء السودان ملاءمة لهم ولأسباب عديدة , منها : بعد دارفور عن أي تهديد يأتيها من أي ناحية من نواحيها الأربع , بعكس الجزء الشرقي للسودان , والذي كان معرضاً لغزوات الأحباش , والجزء الأوسط النيلي والذى تعرص بالفعل لغزوات عديدة جاءت من مصر المملوكة فى القرن الرّابع عشر الميلادي.
 أما دارفور , فلم يثبت أن قوات مصرية أو غيرها , وصلت إليها حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر للميلاد , ولذلك فلم يكن لمصر أو لبلاد النوبة , أى تأثير سياسي على دارفور حتى ذلك التاريخ , الالى مصر ذى ضمت فيها .
 ومن ناحية الغرب , حيث تقع بلاد الكانم ,فإن دارفور لم تتعرض , عند تدفق العرب عليها , لأي تهديد من هذه الدولة , لأن الكانم فى كانت فى تلك الفترة , تعيش عصر ضعيف وتفكك وحروب أهلية , أجبرت الاسرة الحاكمة على الهجرة إلى ناحية الغرب من بحيرة تشاد , حيث أقامت هنالك مملكة جديدة في أقليم البرنو.
 ولما كان إقليم دارفور _كما هو معروف _منطقة عبور بين الشمال والجنوب , وبين السودان النيلي , والسودان الأوسط , وليبيا ومصر وفى الشمال , والسودان الغربى (نيجيريا) ومالي والسنغال (غانا القديمة ) . فقد تعرض للتأثيرات العرقية والثقافية , التى ميزته عن أجزاء أخؤى من السودان . ذلك أن القبائل التى تسكن دارفور اليوم , سواء أكانت من أصل عربى أو افريقى , أتت إلى هذا الإقليم نتيجة هجرات مختلفة العناصر , من الشمال والغرب والشرق والجنوب , أى من البلاد المحيطة به
 وما من شك فى أن (موقع إقليم دارفور ) هذا , كان له تأثيره فى مجال اخر , ألا وهو مجال التجارة بين دارفور وما يحيط بها من بلدان . وكان لهذه التجارة أثرها الواضح فى إجتذاب العرب , وقدوم الكثيرين منهم أليها .
 ص(14)

 التجارة وأثرها فى الهجرات العربية

 تعتبر التجارة , بالإضافة إلى العوامل السابقة , عاملاً هاماً من عوامل جذب العرب وهجرتهم إلى دارفور . وقد اشتهر هذا الإقليم ببعض المحاصيل , والسلع , التى كانت مطلوبة فى البلاد المحيطة بهم وبخاصة مصر , كالعاج وريش النعام والجلود وغيرها . وكانت الطرق التجارية التى تمر بها , تحمل لأهلها ما يحتاجون إليه , وبخاصة الخرز والتوابل والأقمشة والذهب والفضة والنحاس وماء الورد والملح , والاسماك المجففة وغيرها .
 وكانت القوافل , ترحل من دارفور إلى مصر عن طريق درب الأربعين . وكانت القافلة الواحدة تتكون من نحو 1500 جمل , تحمل العاج وخشب الابنوس والجلود وريش النعام , والصمغ العربي والعطرون والعرديب والمحاصيل التى تشتهر بها دارفور وكردفان . وكانت هذه القوافل , تعود من مصر محملة بالمنسوجات والعقود المصنوعة من الخرز الزجاجي , وأدوات الزينة والحلي من الذهب والفضة , التى تتزين بها النساء , كالأساور و الأقراط والحجول وما إليها.
 ومع هذه التجارة المزدهرة , عبر الطرق العديدة , والسالفة الذكر ,هاجرت قبائل عربية كثيرة الى دارفور. وهكذا نجد أن الطرق التجارية التى ربطت بين دارفور , وبين كل من مصر وبلاد النوبة والمناطق البعيدة , التى فى الجنوب الشرقي للقارة , مثل بر الزنج والصومال والحبشة , وكذلك البلدان التى تقع فى شمالها مثل : ليبيا وتونس _قد حملت هجرات عربية عديدة من هذه البلدان , عبر القرون , الماضية إلى دارفور . ولذلك عندما بدأ (التونسي) وغيره من الرّحالة , والمؤرحين , يتحدثون عن القبائل العربية فى دارفور , وذكروا أن أعداداً كبيرة منها قد إنتشرت فى معظم أنحائه , وسكنته واتخذته وطناً ,وصارت من أهله وسكانه , حتى أصبح هذا الإقليم عربي اللسان والثقافة .وأسلاف (قبيلة الميما) التى نحن بصددها , كانت ضمن هذه الهجرات العربية , وقد أكد ذلك كثير من المؤرخين كما سنرى لاحقاً.
 ص(15)

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة